فصل: تفسير الآيات (105- 122):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (90- 104):

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (98) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (99) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)}
قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} أي قربت وأدنيت ليدخلوها.
وقال الزجاج: قرب دخولهم إياها. {وَبُرِّزَتِ} أي أظهرت {الْجَحِيمُ} يعني جهنم. {لِلْغاوِينَ} أي الكافرين الذين ضلوا عن الهدى. أي تظهر جهنم لأهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن، كما يستشعر أهل الجنة الفرح لعلمهم أنهم يدخلون الجنة. {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} من الأصنام والأنداد {هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ} من عذاب الله {أَوْ يَنْتَصِرُونَ} لأنفسهم. وهذا كله توبيخ. {فَكُبْكِبُوا فِيها} أي قلبوا على رؤوسهم.
وقيل: دهوروا وألقى بعضهم على بعض.
وقيل: جمعوا. مأخوذ من الكبكبة وهى الجماعة، قاله الهروي.
وقال النحاس هو مشتق من كوكب الشيء أي معظمه. والجماعة من الخيل كوكب وكبكبة.
وقال ابن عباس: جمعوا فطرحوا في النار.
وقال مجاهد: دهوروا.
وقال مقاتل: قذفوا. والمعنى واحد. تقول: دهورت الشيء إذا جمعته ثم قذفته في مهواة. يقال: هو يدهور اللقم إذا كبرها. ويقال: في الدعاء كب الله عدو المسلمين ولا يقال أكبه. وكبكبه، أي كبه وقلبه. ومنه قوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيها} والأصل كببوا فأبدل من الباء الوسطى كاف استثقالا لاجتماع الباءات. قال السدى: الضمير في {فَكُبْكِبُوا} لمشركي العرب {وَالْغاوُونَ} الآلهة. {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} من كان من ذريته.
وقيل: كل من دعاه إلى عبادة الأصنام فاتبعه.
وقال قتادة والكلبي ومقاتل: {الْغاوُونَ} هم الشياطين.
وقيل: إنما تلقى الأصنام في النار وهى حديد ونحاس ليعذب بها غيرهم. {قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ} يعني الانس والشياطين والغاوين والمعبودين اختصموا حينئذ. {تَاللَّهِ} حلفوا بالله {إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي في خسار وتبار وحيرة عن الحق بينة إذا اتخذنا مع الله آلهة فعبدناها كما يعبد، وهذا معنى قوله: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ} أي في العبادة وأنتم لا تستطيعون الآن نصرنا ولا نصر أنفسكم. {وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} يعني الشياطين الذين زينوا لنا عباده الأصنام.
وقيل: أسلافنا الذين قلدناهم. قال أبو العالية وعكرمة: {الْمُجْرِمُونَ} إبليس وابن آدم القاتل هما أول من سن الكفر والقتل وأنواع المعاصي. {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ} أي شفعاء يشفعون لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين. {وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} أي صديق مشفق، وكان على رضي الله عنه يقول: عليكم بالإخوان فإنهم عدة الدنيا وعدة الآخرة، ألا تسمع إلى قول أهل النار: {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} الزمخشري: وجمع الشافع لكثرة الشافعين ووحد الصديق لقلته، ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم مضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته، رحمة له وحسبة وإن لم تسبق له بأكثرهم معرفة، وأما الصديق فهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما يهمك فأعز من بيض الأنوق، وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال: اسم لا معنى له. ويجوز أن يريد بالصديق الجمع. والحميم القريب والخاص، ومنه حامة الرجل أي أقرباؤه. واصل هذا من الحميم وهو الماء الحار، ومنه الحمام والحمى، فحامة الرجل الذين يحرقهم ما أحرقه، يقال: هم حزانته أي يحزنهم ما يحزنه. ويقال: حم الشيء وأحم إذا قرب، ومنه الحمى، لأنها تقرب من الأجل.
وقال علي بن عيسى: إنما سمى القريب حميما، لأنه يحمى لغضب صاحبه، فجعله مأخوذا من الحمية.
وقال قتادة: يذهب الله عز وجل يوم القيامة مودة الصديق ورقة الحميم. ويجوز: {ولا صديق حميم} بالرفع على موضع {مِنْ شافِعِينَ}، لان {مِنْ شافِعِينَ} في موضع رفع. وجمع صديق أصدقاء وصدقاء وصداق. ولا يقال صدق للفرق بين النعت وغيره.
وحكى الكوفيون: أنه يقال في جمعه صدقان. النحاس: وهذا بعيد، لان هذا جمع ما ليس بنعت نحو رغيف ورغفان. وحكموا أيضا صديق وأ صادق. وأفاعل إنما هو جمع أفعل إذا لم يكن نعتا نحو أشجع وأشاجع. ويقال: صديق للواحد والجماعة وللمرأة، قال الشاعر:
نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا ** بأعين أعداء وهن صديق

ويقال: فلان صديقي أي أخص أصدقائي، وإنما يصغر على جهة المدح، كقول حباب ابن المنذر:
أنا جذيلها المحكك ** وعذيقها المرجب

ذكره الجوهري. النحاس: وجمع حميم أحماء وأحمة وكرهوا أفعلاء للتضعيف. {فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً} {أَنَّ} في موضع رفع، المعنى ولو وقع لنا رجوع إلى الدنيا لآمنا حتى يكون لنا شفعاء. تمنوا حين لا ينفعهم التمني.
وإنما قالوا ذلك حين شفع الملائكة والمؤمنون. قال جابر بن عبد الله قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن الرجل ليقول في الجنة ما فعل فلان وصديقه في الجحيم فلا يزال يشفع له حتى يشفعه الله فيه فإذا نجا قال المشركون: {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}».
وقال الحسن: ما أجتمع ملا على ذكر الله، فيهم عبد من أهل الجنة إلا شفعه الله فيهم، وإن أهل الايمان ليشفع بعضهم في بعض وهم عند الله شافعون مشفعون.
وقال كعب: إن الرجلين كانا صديقين في الدنيا، فيمر أحدهما بصاحبه وهو يجر إلى النار، فيقول له أخوه: والله ما بقي لي إلا حسنة واحدة أنجو بها، خذها أنت يا أخى فتنجو بها مما أرى، وأبقى أنا وإياك من أصحاب الأعراف. قال: فيأمر الله بهما جميعا فيدخلان الجنة. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} تقدم والحمد لله.

.تفسير الآيات (105- 122):

{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)}
قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} قال: {كَذَّبَتْ} والقوم مذكر، لان المعنى كذبت جماعة قوم نوح، وقال: {الْمُرْسَلِينَ} لان من كذب رسولا فقد كذب الرسل، لان كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل.
وقيل: كذبوا نوحا في النبوة وفيما أخبرهم به من مجيء المرسلين بعده.
وقيل: ذكر الجنس والمراد نوح عليه السلام. وقد مضى هذا في الفرقان. {إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ} أي ابن أبيهم وهى أخوة نسب لا أخوة دين.
وقيل: هي أخوة المجانسة. قال الله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ} وقد مضى هذا في الأعراف.
وقيل: هو من قول العرب يا أخا بنى تميم. يريدون يا واحدا منهم. الزمخشري: ومنه بيت الحماسة:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ** في النائبات على ما قال برهانا

{أَلا تَتَّقُونَ} أي ألا تتقون الله في عبادة الأصنام. {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} أي صادق فيما أبلغكم عن الله تعالى.
وقيل: {أَمِينٌ} فيما بينكم، فإنهم كانوا عرفوا أمانته وصدقه من قبل كمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قريش. {فَاتَّقُوا اللَّهَ} أي فاستتروا بطاعة الله تعالى من عقابه. {وَأَطِيعُونِ} فيما آمركم به من الايمان. {وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} أي لا طمع لي في مالكم. {إِنْ أَجْرِيَ} أي ما جزائي {إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ}. {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} كرر تأكيدا. قوله تعالى: {قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ} أي نصدق قولك. {وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} الواو للحال وفيه إضمار قد، أي وقد أتبعك. {الْأَرْذَلُونَ} جمع الأرذل، المكسر الأراذل والأنثى الرذلى والجمع الرذل. قال النحاس: ولا يجوز حذف الالف واللام في شيء من هذا عند أحد من النحويين علمناه. وقرأ ابن مسعود والضحاك ويعقوب الحضرمي وغيرهم، {وأتباعك الأرذلون}. النحاس: وهي قراءة حسنة، وهذه الواو أكثرها تتبعها الأسماء والافعال بقد. وأتباع جمع تبع وتبيع يكون للواحد والجمع. قال الشاعر:
له تبع قد يعلم الناس أنه ** على من يدانى صيف وربيع

ارتفاع {أتباعك} يجوز أن يكون بالابتداء و{الْأَرْذَلُونَ} الخبر، التقدير أنؤمن لك وإنما أتباعك الأرذلون. ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير في قوله: {أَنُؤْمِنُ لَكَ} والتقدير: أنؤمن لك نحن وأتباعك الأرذلون فنعد منهم، وحسن ذلك الفصل بقوله: {لَكَ} وقد مضى القول في الأراذل في سورة هود مستوفى. ونزيده هنا بيانا وهي المسألة: الثانية: فقيل: إن الذين آمنوا به بنوه ونساؤه وكناته وبنو بنيه. وأختلف هل كان معهم غيرهم أم لا. وعلى أي الوجهين كان فالكل صالحون، وقد قال نوح: {وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} والذين معه هم الذين أتبعوه، ولا يلحقهم من قول الكفرة شين ولا ذم بل الأرذلون هم المكذبون لهم. قال السهيلي: وقد أغرى كثير من العوام بمقالة رويت في تفسير هذه الآية: هم الحاكة والحجامون. ولو كانوا حاكة كما زعموا لكان إيمانهم بنبي الله واتباعهم له مشرفا كما تشرف بلال وسلمان بسبقهما للإسلام، فهما من وجوه أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أكابرهم، فلا ذرية نوح كانوا حاكة ولا حجامين، ولا قول الكفرة في الحاكة والحجامين إن كانوا آمنوا بهم أرذلون ما يلحق اليوم بحاكتنا ذما ولا نقصا، لان هذه حكاية عن قول الكفرة إلا أن يجعل الكفرة حجة ومقالتهم أصلا، وهذا جهل عظيم وقد أعلم الله تعالى أن الصناعات ليست بضائرة في الدين. قوله تعالى: {قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} كان زائدة، والمعنى: وما علمي بما يعملون، أي لم أكلف العلم بأعمالهم إنما كلفت أن أدعوهم إلى الايمان، والاعتبار بالايمان لا بالحرف والصنائع، وكأنهم قالوا: إنما اتبعك هؤلاء الضعفاء طمعا في العزة والمال. فقال: إنى لم أقف على باطن أمرهم وإنما إلى ظاهرهم.
وقيل: المعنى إني لم أعلم أن الله يهديهم ويضلكم ويرشدهم ويغويكم ويوفقهم ويخذلكم. {إِنْ حِسابُهُمْ} أي في أعمالهم وإيمانهم {إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} وجواب {لو} محذوف، أي لو شعرتم أن حسابهم على ربهم لما عبتموهم بصنائعهم. وقراءة العامة: {تَشْعُرُونَ} بالتاء على المخاطبة للكفار وهو الظاهر وقرأ ابن أبى عبلة ومحمد بن السميقع: {لو يشعرون} بالياء كأنه خبر عن الكفار وترك الخطاب لهم، نحو قوله: {حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ}.
وروى أن رجلا سأل سفيان عن امرأة زنت وقتلت ولدها وهى مسلمة هل يقطع لها بالنار؟ فقال: {إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ}. {وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} أي لخساسة أحوالهم وأشغالهم. وكأنهم طلبوا منه طرد الضعفاء كما طلبته قريش. {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} يعنى: إن الله ما أرسلني أخص ذوى الغنى دون الفقراء، إنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به، فمن أطاعني فذلك السعيد عند الله وإن كان فقيرا. قوله تعالى: {قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ} أي عن سب آلهتنا وعيب ديننا {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} أي بالحجارة، قاله قتادة.
وقال ابن عباس ومقاتل: من المقتولين. قال الثمالي: كل مرجومين في القرآن فهو القتل إلا في مريم: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} أي لأسبنك.
وقيل: {مِنَ الْمَرْجُومِينَ} من المشتومين، قاله السدى. ومنه قول، أبى دواد. {قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال ذلك لما يئس من إيمانهم. والفتح الحكم وقد تقدم. {فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} يريد السفينة وقد مضى ذكرها. والمشحون المملوء، والشحن ملء السفينة بالناس والدواب وغيرهم. ولم يؤنث الفلك ها هنا، لان الفلك ها هنا واحد لا جمع. {ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ} أي بعد إنجائنا نوحا ومن آمن. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.